روى مالك عن يحيى بن سعيد قال: كان لسعيد بن المسيب رحمه الله جليس يقال له عبد الله بن أبي وداعة، فأبطأ عليه أياماً فسأل عنه، فقيل له: إنَّ سعيد بن المسيب سأل عنك. فأتاه فسلم عليه ثم جلس. فقال له سعيد: أين كانت غيبتك يا أبا محمد؟ فقال: إنَّ أهلي كانت مريضة فمرّضتها ثم ماتت فدفنتها، فقال: يا عبد الله أفلا علمتنا بمرضها فنعودها أو بموتها فنشهد جنازتها، ثم عزاه عنها ودعا له ولها، ثم قال: تزوج يا عبد الله ولا تلق الله وأنت عزب، فقال: يرحمك الله ومَنْ يزوِّجني، فو الله ما أملك غير أربعة دراهم؟ فقال: سبحان الله أو ليس في أربعة دراهم ما يستعف به الرجل المسلم يا عبد الله، أنا أزوّجك ابنتي إن رضيت. قال عبد الله: فسكت استحياءً منه وإعظاماً لمكانه. فقال: مالك سكتت، سخطت ما عرضنا عليك؟ قال: فقلت: يرحمك الله، وأين المذهب عنك، لأعلم إنك لو شئت زوجتها بأربعة آلاف وأربعة آلاف. قال: فقم يا عبد الله فادع هؤلاء النفر من الأنصار. فقمت، فدعوت له حلقة من الأنصار فأشهدهم على النكاح بأربعة دراهم، ثم انقلبنا فلما انقلبنا صلينا العشاء الآخرة، وسرت إلى منزلي، إذ برجل يقرع الباب، فقلت: مَنْ هذا؟ قال: سعيد. فخطر ببالي كل سعيد عرفته في المدينة غير سعيد بن المسيب وذلك قط أنه ما رؤي خارجاً من داره إلا إلى المسجد أو إلى جنازة. قال: فقلت: مَنْ سعيد؟ قال: سعيد بن المسيب. فارتعدت فرائصي، فقلت: لعل الشيخ ندم فجاء يستقيلني، فخرجت إليه أجرّ رجلي، وفتحت الباب، فإذا أنا بشابة متلففة بساح، ودواب عليها متاع، وخادم بيضاء، فسلّم عليّ وقال: يا عبد الله هذه زوجتك. فقلت مستحياً منه: يرحمك الله كنت أحب أن يتأخر ذلك أياماً. فقال لي:لِـمَ أو لست أخبرتني أن عندك أربعة دراهم. قلت: هو كما ذكرت لك، ولكني كنت أحب أن يتأخر ذلك. قال: إنها إذاً عليك لغير ميمونة، ما كنت لأريد أن يسألني الله عن عزوبتك الليلة وعندي لك أهل، هذه زوجتك، وهذا متاعكم وهذه خادم تخدمكم معها ألف درهم، نفقة لكم، فخذها يا عبد الله بأمانة الله، فو الله إنك لتأخذها صوامة قوامة عارفة بكتاب الله وسُنة رسوله فاتق الله فيها ولا يمنعك مكانها مني إن رأيت منها ما يكره أن تحسن أدبها. ثم أسلمها إليّ ومضى. قال: فو الله ما رأيت امرأة أقرأ لكتاب الله تعالى ولا أعرف بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخوف لله عز وجل. ولقد كانت المسألة تعيي الفقهاء، فأسألها عنها فأجد عندها منه علماً. قال: فأقمت معها ما شاء الله ثم رزقني الله منها حملاً وكان سعيد كثيراً ما يسألني عنها فيقول: ما فعلت تلك الإنسانة؟ فأقول: بخير. فيقول: يا عبد الله إن خفَّ عليك أن تُزيرناها فافعل. فلما حضر ولادها خرجت لأنظر فيما ينظر فيه الرجل لأهله، ورجعت إلى الدار فإذا بها شخص قائم ما رأيته قط. فنادتني من ورائي: يا عبد الله ادخل فقد أحلّ الله لك هذه النظرة. قلت: ومَنْ أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا أم هذه الفتاة يا عبد الله. كيف رأيت أهلك؟ قلت: جزاكم الله من أهل بيت خيراً فقد ربيّتم فأحسنتم وأدبتم فأحكمتم. فقالت: يا عبد الله لا يمنعك مكانها مني أن ترى بعض ما تكره فتحسن أدبها، يا عبد الله لا تملكها من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تكثر التبسم في وجهها فتستخف بك، يا عبد الله بارك الله لكما في المولود وجعله مباركاً خائفاً لله، ووقاه الله فتنة الشيطان وجعله شبيهاً بجده سعيد، فو الله إني تزوجته منذ أربعين سنة ما رأيته عصى الله قط معصية، وهذه نفقة بعث بها إليكم. قال:فأخذتها منها فإذا هي خمسة دنانير، ثم خرجت فلم أر لها وجهاً ثمان عشرة سنة، حتى قضى الله علينا بالموت!!